"صفعونا أمام الجميع".. شهادات نساء أفغانيات تعرضن للجلد بسبب جرائم "أخلاقية"

"صفعونا أمام الجميع".. شهادات نساء أفغانيات تعرضن للجلد بسبب جرائم "أخلاقية"
أفراد الأمن يراقبون عملية جلد 27 شخصًا أمام حشد من الناس في ملعب كرة قدم

تعرضت ثلاث نساء أفغانيات للجلد الوحشي علنًا على يد حركة طالبان، بعد اتهامهن بارتكاب "جرائم أخلاقية"، وتحدثن بشجاعة عن التجربة المروعة التي تركت جروحًا نفسية وجسدية لا تُنسى.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة" الغارديان" البريطانية، الثلاثاء، أظهرت سجلات المحكمة وتقارير إعلامية أن أكثر من ألف شخص تعرضوا لعقوبة الجلد العلني منذ سيطرة طالبان على الحكم في عام 2021، من بينهم ما لا يقل عن 200 امرأة.

وتشير التقديرات إلى أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، وتُتهم العديد من النساء بجرائم "أخلاقية"، مثل الخروج دون محرم أو الحديث مع رجال غرباء.

"ديبا" أمٌ لسبعة أطفال

تحدثت ديبا (38 عامًا)، وهي أم لسبعة أطفال وزوجها يعمل في إيران، عن تجربتها القاسية مع طالبان التي اعتقلتها مرتين بسبب عملها في الخياطة وخروجها لتوصيل الملابس.

روت ديبا أنها اعتُقلت أول مرة بسبب استئجارها ماكينة خياطة من رجل لا تربطها به صلة قرابة، وتعرضت حينها للضرب والإهانة، ووُصفت بـ"العاهرة"، قبل أن تُسجن لأربعة أيام، وبعد ثلاثة أشهر، ألقي القبض عليها مجددًا بينما كانت تشحن هاتفها في مقهى وتتناول شطيرة، رغم ارتدائها لمعطف وشال، ولكن لم يمنع ذلك عناصر "شرطة الآداب" من استجوابها.

صرخت عناصر طالبان في صاحب المقهى، وانهالوا عليه بالصفع، ما دفع ديبا للاحتجاج، فاتهموها بإهانة الشرطة واحتجزوها لمدة عشرين يومًا في ظروف مزرية داخل زنزانة مكتظة وقذرة، حيث لم يُقدَّم لها طعام، وحُرمت من التواصل مع أطفالها رغم مرض ابنتها.

في المحكمة، لم يُسمح لها بتوكيل محامٍ، وأُدينت بالخروج دون محرم وإهانة "علماء الدين"، وصدر بحقها حكم بـ25 جلدة نُفذ في مكان عام، حيث غُطي رأسها وجُلِدت أمام الناس، وتضيف ديبا إن الحرج والإذلال لاحقها حتى بعد إطلاق سراحها، حيث تغيرت نظرة المقربين منها، واضطرت لتناول أدوية بسبب الصدمة النفسية.

الاعتراف بالإكراه

روت سحر (22 عامًا) كيف تعرضت للعنف النفسي والجسدي بعد أن استوقفت طالبان سيارتها وهي في طريقها إلى عيادة، برفقة ابن عمها، الذي كان ينقلها بسبب مرضها.

رغم أن والدها كان يعمل في إيران ووالدتها تدير ورشة حياكة، لم يشفع لها شيء عند عناصر طالبان الذين شككوا بعلاقتها بابن عمها، ورغم إقرارها بذلك، ضربوا الشاب، حطموا هواتفهم، وأجبروها على الاختباء في شاحنتهم.

خلال احتجازها، صفعها أحدهم وهددها بالقتل، فيما أجبرتها محققة محجبة على الاعتراف بأنها على علاقة غير شرعية بابن عمها، رغم شهادة أقاربها، رفض القاضي الاعتراف بالمحرمية، وأُجبرت على الاعتراف بـ"الذنب" أمام والدتها وأعمامها، تحت تهديد الضرب وابتزاز ابن عمها.

نُفذ حكم الجلد علنًا، حيث جُلدت سحر ثلاثين جلدة، وابن عمها سبعين جلدة، وسط الحشود وبمكبرات الصوت، وتروي أن أختها الصغيرة شاهدت المشهد وهي تبكي، ما حطمها نفسيًا، وبعد الحادث، اضطرت الأسرة لمغادرة القرية والانتقال إلى المدينة بسبب نظرات الناس وكلامهم القاسي.

كريمة: "ربطوني وداسوا عليّ"

عاشت كريمة (18 عامًا) تجربة مشابهة حين كانت في السادسة عشرة من عمرها، حين خرجت مع ابن عمها لشراء لوازم خياطة لوالدتها، حيث أوقفهما عناصر طالبان واعتقلوهما بحجة عدم وجود محرم شرعي.

قضت كريمة شهرين في السجن، عانت خلالهما من نوبات هلع وهلوسات، وقالت إنها فقدت وعيها وعندما استيقظت وجدت نفسها مكبلة اليدين والدم ينزف من معصميها، أخبرها أحد السجناء بأن الحراس داسوا عليها أثناء نوبة من الانهيار.

نُفذ حكم الجلد علنًا في الساحة الرئيسية للمدينة، حيث جُلدت كريمة 39 جلدة، وابنة عمها 50 جلدة، وبعد الجَلد، أُعيدتا إلى السجن لأسبوع آخر "حتى تلتئم الجروح"، وعند إطلاق سراحها، أبلغها مسؤولو طالبان بأنها ممنوعة من مغادرة البلاد، وتحت المراقبة.

مثل ديبا وسحر، لم يكن الجلد العلني نهاية العقوبة، فقد أجبرها المجتمع على مغادرة قريتها بسبب الإذلال والنظرات والهمسات، وانتقلت إلى مدينة أخرى.

عودة طالبان

منذ عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021، أعادت الحركة تطبيق تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، وشددت قيودها على النساء، بما في ذلك منعهن من التعليم والعمل والتنقل دون محرم، وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية تعرض مئات النساء لانتهاكات ممنهجة، بينها الجلد العلني والاعتقال التعسفي والتعذيب، فيما تتزايد حالات الصمت والاختفاء في ظل الخوف والرقابة المشددة.

عقوبة الجلد تُعد من العقوبات الجسدية التي تنص عليها بعض تفسيرات الشريعة الإسلامية في جرائم محددة، مثل الزنا (لغير المحصنين)، والقذف، وشرب الخمر، لكن تطبيقها يخضع لشروط صارمة في الفقه الإسلامي، من بينها وجود أربعة شهود عدول في حالة الزنا، وهو أمر نادر التحقق.

ورغم هذه الشروط، غالبًا ما تُطبق هذه العقوبة في بعض الدول أو المناطق التي تتبنى تفسيرات متشددة أو غير رسمية للشريعة، دون مراعاة للمعايير القانونية أو حقوق الإنسان، كما يحدث في ظل حكم حركة "طالبان" في أفغانستان.

وتنتقد منظمات حقوق الإنسان العقوبات الجسدية مثل الجلد، وتعتبرها ممارسات مهينة وغير إنسانية، تتعارض مع القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقّعت عليها أفغانستان.

كما أن هذه العقوبات كثيرًا ما تُستخدم لترهيب المجتمعات، ولا تستوفي شروط المحاكمة العادلة، خاصة حين تُنفذ في العلن، وتُوجه ضد النساء بشكل خاص في ما يُعرف بـ"الجرائم الأخلاقية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية